جديد
لم ينشر من قبل للشيخ سعيد حوى مما قاله في مذكراته:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على رسول الله وآله وصحبه
قال معاذ بن الشيخ
سعيد حوى:
تكرر مِن بعض الكتّاب اتهام الشيخ
سعيد حوى رحمه الله بأن لا يرى ممثلاً للإسلام إلا الإخوان المسلمين، وأنه يرى أنهم
وحدهم جماعة المسلمين، وأنه لا يعتبر غير الإخوان من جماعة المسلمين، ومن آخر ذلك
مقال في إحدى الصحف الأردنية يدعي ما سبق ذكره، ويبني عليه أن الشيخ سعيد حوى يقول
بتكفير من ليس من الإخوان المسلمين، وأن الشيخ سعيد حوى من التكفيريين، وممن أسسوا
فكر التكفير...
وقد كتب الوالد الشيخ سعيد حوى رحمه
الله رداً على هذه التهمة التي سمعها في حياته قبل موته، كتب رداً عليها في الجزء
الثالث من مذكراته؛ هذه تجربتي وهذه شهادتي، ولم ينشر هذا الجزء بعد، لأن الشيخ
سعيد حوى رحمه أوصى بعدم نشر بقية مذكراته وهي الجزء الثاني والثالث؛ إلا بعد زوال
نظام حافظ أسد، والواقع أن بشار الأسد هو امتداد لنظام أبيه، لذلك لم تنشر هذه
المذكرات بعد.
وقد رأيت أن أنشر من كلام الوالد ما يتعلق بتهمة
التكفير وتهمة أنه يرى أن الإخوان هم جماعة المسلمين دون غيرهم، وهذا كلامه رحمه
الله:
قال الشيخ سعيد حوى:
مما اعتاده علماء أهل السنة
والجماعة عدم التسرع في التكفير إلا إذا وجد موجبه القطعي، وقد رَضِعْت هذا المعنى
من تربية الأشياخ، فكنت لا أتسرع في التكفير إلا إذا وجب شرعاً أن نكفر أحداً،
فعندئذ نكفر بحكم الشرع، ولم يخطر لي على بال أن الإسلام منحصر بالإخوان المسلمين،
فأكبر شيوخي الذين أعتبرهم الغاية في العلم والمعرفة لم يكونوا منتظمين في الإخوان
المسلمين، ولذلك فإن كلامي صريح واضح أنني لا أكفر من ليس من الإخوان المسلمين.
ومن العجيب أن رجلاً اسمه مصطفى
الطحان كتب كتاباً زعم فيه أنني أُكَفِّر من ليس من الإخوان المسلمين مستنداً في
ذلك إلى نص في مقدمة كتابي ( جند الله ثقافة وأخلاقاً )، مع أن هذا النّصّ حجة على
أنني لا أكفر من لم يدخل في الإخوان المسلمين، بل إن هذا النص لم أذكر فيه الإخوان
المسلمين لا من قريب ولا من بعيد.
لقد عجبت من ذلك، وخاصة أن الرجل ليس متهماً في
ذكائه أو في فهمه، فلماذا تعمّد أن يتهمني هذا الاتهام، وقد رأيت فيما بعد رجلاً
حموياً يعمل عنده فسألته عن هذا الموضوع فكان جوابه أدعى لاستغرابي، قال: إنه ناقش
في هذا الموضوع وبرأني منه، إلا أنه أجيب: إن الفكرة مطروحة، فهناك من يكفر من ليس
من الإخوان المسلمين، وإذن فلتُناقش، فكان ذلك عاملاً من عوامل دهشتي أن الرجل وجد
من يناقشه، وقد وافق على أنني لا أقول بهذه الفكرة، ولكن لأن الفكرة مطروحة
فلتناقش، ولا بأس بأن تنسب إلي.
لم أستطع تعليل ذلك، فواضح أن الهدف
هو الإساءة إليّ لا غير، وعلى كلٍّ فإنني أعرض كلامي:
قلت في مقدمة كتاب ( جند الله ثقافة
وأخلاقا )(1) ما نصه:
( حزب الله أولا وقبل كل شيء
اتجاه:
وردت كلمة حزب الله في القرآن
الكريم مرتين، مرة في سورة المجادلة في معرض الحديث عن: ألا مودة بين المؤمنين
والكافرين، ومرة في سورة المائدة في معرض الحديث عن تولّي الله والرسول r والمؤمنين.
قال تعالى في سورة المجادلة: ﴿ لا
تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله([1]) ورسوله ولو
كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان
وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم
ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ﴾. سورة
المجادلة ( 58/21 ).
وقال تعالى في سورة المائدة: ﴿ ومن
يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون﴾. سورة المائدة ( 5/56 ) وعلى هذا فحزب الله
اتجاه مظهره:
1 ـ البراءة
من أعداء الله ورسوله؛ ظاهراً بعدم إعطاء الولاء، وباطناً في عدم المودة.
2 ـ إعطاء المؤمنين الولاء في
الظاهر والمودة في الباطن، والمؤمنون الذين يعطون هذا الولاء هم الذين جمعوا بين
صفة الإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ﴿ إنما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ﴾. سورة المائدة ( 5/55
).
فإذا كان هناك ناقض من نواقض
الإيمان أو لم تكن صلاة أو لم تكن زكاة؛ فلا يجوز الولاء ولا تجوز المودّة.
فالذين يعطون مودّتهم لأحد من الناس
ذي سلطان أو غيره غير مؤمن أو لا يصلي أو لا يزكي؛ ليسوا من حزب الله.
والذين يعطون ولاءهم حزباً أو جماعة أو زعيماً
أو قوماً أو عشيرة على أساس غير أساس الإيمان والصلاة والزكاة أو يعطونهم مودّتهم
الخفية ليسوا من حزب الله.
إن أول مظهر
من مظاهر كون الإنسان من حزب الله هو: أنه لا ولاء ولا مودّة عنده إلا للمؤمنين
الملتزمين بالإسلام، وبدون هذا لا يحصل الإنسان فلاحاً ولا نجاحاً.
( المرء مع
مَن أحب )([2])، ( مَن فارق
الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومَن ادّعى دعوى
الجاهلية فإنه من جِثِيّ جهنم، فقال رجل: يا رسول الله r، وإن صلى وصام، قال: وإن صلى وصام، فادْعُوا بدَعْوى الله الذي
سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله )([3]).
ويُلاحظ أن الآية التي ذكرت حزب
الله في سورة المائدة وردت بعد آيتين هما: ﴿ يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم
عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، أذلة على المؤمنين، أعزة على
الكافرين، يجاهدون في سبيل الله، ولا يخافون لومة لائم، ذلك فضل الله يؤتيه من
يشاء، والله واسع عليم. إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ومَن يتول الله... ﴾. سورة المائدة ( 5/54-56 ).
والسياق والخطاب يدلّان على أن هذه
الفقرة من السورة كل متكامل، فما قبل الآية الأخيرة إذن إنما هو نص في بيان صفات
حزب الله.
وعلى هذا فمن مظاهر كون الإنسان من حزب الله أن
تجتمع فيه صفات معينة: المحبة لله، واستجماع الصفات التي يحب الله أهلها، والرحمة
بالمؤمنين، والشدة على الكافرين، والجهاد دون خوف من لوم اللائمين، مع ما مرّ معنا
سابقاً من تحرر الولاء.
وللمحبة طرق لا بدّ من سلوكها، والذلّة
على المؤمنين ذات مضمونات لا بدّ من التحقق بها، والشدة على الكافرين ذات مضمونات
لا بدّ من تمثّلها، والجهاد أنواع. وقد فصلنا هذا كله في هذا الكتاب.
وعلى هذا فإن حزب الله إذن اتجاه من
مظاهره استجماع أخلاق بعينها.
والجهاد الذي هو خلق رئيسي من أخلاق
حزب الله بأنواعه كلها بجب أن يكون من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا سواء كان
جهاداً سياسياً أو مالياً أو عسكرياً أو تعليمياً أو لسانياً.
وكلمة الله لا تكون عليا في القطر
إذا لم يكن محكوماً بالإسلام، ولا في العالم الإسلامي إذا لم يكن محكوماً
بالإسلام، ولا في العالم إذا لم يكن خاضعاً لكلمة الله.
فالإنسان الذي ليست لديه الرغبة
والنيّة، ثم المشاركة في العمل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا في قطره بإقامة
دولة الله، وفي العالم الإسلامي بتوحيد أمة الله، وفي العالم بإخضاعه لكلمة الله؛
لا يمكن أن يمثّل حزب الله حق التمثيل.
و نتيجة لكل ما تقدّم في هذه الفقرة
نقول:
إن حزب الله اتجاه مظهره ثلاثة
أمور:
1.
الرغبة في
العمل من أجل إقامة دولة الله، ونصرة شريعة الله، وتوحيد أمة الله، وإحياء سنة
رسول الله r، وإخضاع العالم كله لكلمة الله.
2. استجماع
أخلاق بعينها.
3. قطع
المودة القلبية وعدم إعطاء الولاء لأعداء الله، وتمتين الصلة القلبية والظاهرية
بأولياء الله.
والإخلال
بواحدة من هذه تخرج الإنسان عن أن يكون سائراً في اتجاه حزب الله على الكمال
والتمام، والله أعلم بماذا يختم له.
والضرورات تقدّر بقدرها، والأوضاع
الاستثنائية تحكمها الفتوى من أهلها.
وبهذا الميزان القرآني نستطيع أن
نحكم على الأفراد والجماعات فيما إذا كانوا سائرين في اتجاه حزب الله أو لا.
وسيسقط نتيجة لذلك كثير وينجح في
ذلك كثير أو قليل ولم تكن كثرة الخاطئين في يوم من الأيام دليلاً على صحة سير.
إن حزب الله هم المسلمون الحقيقيون
سواء كانوا علماء أم ربانيين أم عامة، وسواء قام الواحد منهم بدور كبير أو صغير،
بالاشتراك مع الآخرين أو منفرداً، ومظهر الإسلام الحقيقي ما ذكرناه من موازين
قرآنية، وما سوى ذلك نقص أو قصور أو ضلال أو نفاق أو ردّة أو كفر، ونعوذ بالله من
ذلك كله. ).
إنه لمن الواضح من عنوان الكلام ومن
تعقيبي عليه أنني أعتبر أن حزب الله يدخل فيه أفراد وجماعات، فلا أدري من أين فهم
هذا الرجل من هذا النص أنني أكفر من ليس من الإخوان المسلمين، في كتاب يوزِّعُه
على طلاب العالم([4]).
(1) طبعة دار عمار 1988، ص 34 - 37 .
([1]) حادّ: عادى وشاق وخالف.
([2]) رواه أحمد والخمسة عن أنس، قال العسقلاني: الحديث مشهور
أو متواتر لكثرة طرقه، قال بعض العلماء: هذا الحديث مشروط بشرط أنه إذا أحبهم عمل
بمثل أعمالهم.
([3]) جزء من حديث رواه أحمد والترمذي واللفظ له عن الحارث
الأشعري في كتاب الأمثال، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
([4]) انظر إلى كلامه في كتابه ( الفكر الحركي بين الأصالة
والانحراف ).