كتب الدكتور
عادل حسون في مجلة البلاغ العدد 985/ الأحد 12 شعبان 1409 هـ 19/
آذار 1989م هذا المقال:
سعيد
حوى
شاهد
على الناس وحجة على الدعاة !!
بقلم الدكتور : عادل
حسون
فوجئت والكثير من إخواني في الله بنبأ وفاة
الداعية الكريم الشيخ سعيد حوى يوم الخميس 9/3/1989م في ديار الهجرة في الأردن
المسلم .. بعد مسيرة من الجهاد امتدت ما يربو على الأربعين عاماً كان فيها الشيخ
سعيد حوى (أستاذي في ثانوية الصديق بحماه ... سوريا) مثالاً رائعاً ونموذجاً
صادقاً في داخله وخارجه قلما يقدر مائة ألف من الرجال الدعاة أن تصل إليه أو تسبقه
..
والشيخ سعيد حوى ، من ابناء مدينة حماة
المدينة المعروفة بجهادها وشهامة رجالها ونخوة أبنائها وشجاعة فتيانها ولعلها لهذه
الصفات شاء الله أن تحتضن باكرا جماعة الإخوان المسلمين خاصة بل وكافة الجماعات
العاملة في حقل الحركة الإسلامية عامة حسب تصور أهل السنة والجماعة . التي تدعو
على الله على بصيرة والتي تنشد إقامة مجتمع مسلم فاضل ونظيف ومتقدم ومعاصر ..
ترى هل اعزي الناس أم عزي أهل الشيخ الكرام أو
اعزي إخوانه في الله أو اعزي نفسي .. ذلك إني لست عن الشيخ سعيد حوى ببعيد .. فقد
شاء الله أن يكون سعيد حوى أستاذي ومعلمي في ثانوية الصديق بحماة يلقي علينا دروسا
في التربية الإسلامية عام 1955 م / 1956 م وكان بالإضافة على ذلك مراقبا عاما في
الثانوية يخشاه الطلبة وفي نفس الوقت يحبونه ..
لا أدري لماذا كنت وثلة من زملائي ننجذب إلى
سعيد حوى مدرس التربية الدينية !! وتلميذ الشيخ الفاضل المرحوم محمد الحامد
المعروف بجرأته في الحق وفصاحته وبيانه
وغزارة علمه ومقدرته على أداء خطبة يوم الجمعة بمساجد حماه على أفضل وجه .
نعم لا أدري لماذا كنت متأثراً بالمدرس سعيد
حوى الذي كان يحيطني وغيري برعاية معينة وبالخصوص أنه كان يدرك أننا نحن سكان
المناطق المحيطة بحماه أحوج ما نكون للوعي بالعمل الإسلامي والدعوة إلى الله .
حتى ألان ومنذ 35 سنة تقريباً أي منذ عام
1956م ما زلت أذكر مواقف كريمة للشيخ سعيد حوى ... فها أنت تراه بقامته الطويلة
والقوية حيث أعطاه الله بسيطة في الجسم وقوة في العقل والدين يغبطه الكثير عليها
أيام شبابه .. أو قل أنت تراه وسط الثانوية يحق الحق ويدرب الطلبة على احترام حقوق
الاخرين وعلى التأدب باداب الاسلام وعلى توصية بعض الطلبة من الإسلاميين الناضجين
للإهتمام بنا نحن الذين كنا اصغر منهم سنا واقل منهم علما وتجربة .
وها أنت ترى سعيد حوى وهو يقف مع مدير
الثانوية الأستاذ الفاضل مصطفى الصير في ومع زملائه من المدرسين مثل محمد الحموي
.. ومحمد الخياط وعبد الرزاق الشيخ حمود وآخرين يعتبر كل واحد منهم قلعة من قلاع
الإسلام وجبلا من جبال العزة والأنفة نعم
ها أنت تراه بينهم كأنه علم في رأسه نار ثقافة واخلاقا وعلما وأدبا .. وعطاء
وتواضعا .. مثلما تراه وهو يجمع التبرعات لاسر الإخوان في مصر الشقيقة عند اضطهاد
الحركة .
وشاء الله أن يكتب لي حضور معسكر للإخوان
والجماعة الإسلامية في ضاحية بجانب مدينة حلب منذ 35 عاما وكان الفضل في حضوري هذا
المعسكر التدريبي والكشفي يرجع لأخي الفاضل الحاج خالد (أبي إقبال) الذي كان
يريدني منذ نعومة اظافري أن أنشا بين هؤلاء الرجال واتدرب منذ الصغر على التربية
الإسلامية الراشده ، وقد حقق الله طلبه فانتميت اليهم ومعي عشرات الرجال الذين
كانت هدايتهم على يد اخي أبي إقبال نعم شاء الله أن أحضر المعسكر في الصيف 1956م
وكان يرافقنا الشيخ سعيد حوى بفتوته وهيبته وكذلك الشهيد مروان حديد وعدد كبير من
إخواننا في الله من مصر المّسلمة حيث كان نظام الاضهاد والتعذيب والقتل يطارد
الإخوان هناك وكانوا يجدون في إخوان سوريا رحابة وسعة ومحبة .. بل أن إخوة سوريا
كانوا يجدون لدى إخوان مصر تربية و إهتماماً وعلماً وثقافة وخبرة حركية وجهاداً ما
بعده جهاد … فالتقى بذلك المهاجرين والأنصار في القرن العشرين لأول مرة بعد انحسار
الإسلام من النفوس ومن الواقع .. نعم التقيت مع الشيخ سعيد حوى في معسكر الجماعة
الإسلامية في حلب فكان مثالاً للتقوى والتربية وكان بحق قدوة حسنة..
وها أنا أراه مع عز الدين و إبراهيم وعبد العزيز علي (أبي أسامة) و جودت سعيد ومحمد
حسنين وعبد الرحمن عطية ومصطفى الصيرفي وآخرين ... أراه يساعد هذا ويدرب ذاك ويلقي
درساً هنا وندوة هناك ..
وشاء الله أيضاً أن أحضر وفاة أستاذنا الكبير
الدكتور مصطفى السباعي .. وكنت أحد الذين شاركوا بحمل النعش وها أنا أرى سعيد حوى
مع إخوان حماه وغيرهم من الإخوان من كل مناطق الشام يحيطون بجثمان الشهيد إلى
مثواه الأخير وشاء الله قبل ذلك أن التقى مع الشيخ سعيد حوى في دمشق اثناء الحلمة
الانتخابية التي رشح فيها الدكتور
السباعي عن الجماعة الاسلامية .
وكانت
اياماً رائعة قضيناها في دمشق مع سعيد حوى واخوانه الكرام
فيها
طعم الاخاء والجهاد والمحبة في الله .
ويشاء
الله أن أهاجر .. ويهاجر الشيخ سعيد .. ثم يبعث لي رسالة بعد سنة يطلب مني
الالتحاق بالأردن !
وكم كنت أمل أن التقي معه قبل وفاته .. ولكن
شاء الله أن يسبقنا دار الخلود معززاً مكرماً بعد جهاد في الله عملياً ونظرياً لم
يقف لحظةً واحدة .
وبعد سلسلةٍ
من الكتب الهادفة حقً بدأها بالإصول الثلاثة الله ــ الرسول ــ الإسلام ثم
بجند الله ثقافةًً ثم تخطيطاً ثم تزكية
النفوس ثم هذه تجربتي وهذه شهادتي وغيرها ، :
أستاذي سعيد ...
حوى غادرتنا ونحن في أمس الحاجة إليك .. لأنك
كنت حجةً على الناس .. نعم يا سعيد .. كنت تريد الداعية المهاجر ألا يثقله المتاع
في بلاد الرفاه فيمكث فيها بالعشر والعشرين والثلاثين بحجة العمل للدعوة وهو في
الحقيقة خاضع لأجل المال والمتاع وكنت
تريد الداعية الأنصاري أن يمنح أخاه المهاجر كل الحقوق وأن لا يترفع عليه . وأن
يقاسمه الحوار والنصح والنقد والعدالة وكل ضوابط إخوة المهاجرين و الأنصار !!
وكنت تريد من الجماعة الحركية ألا يكون قيمة
صوت أحد أفرادها بما يملك من مال ومن جاه !! بال بما يملكه من أخلاق ومن جرأة ومن
نخوة ومن تجرد حقيقي لا دعائي !!
وكنت أيضاً تريد من الجماعة الحركية أن تكون
واعية إلى درجة تقدر فيها أن تكشف أي قيادي فيها أندس في صفوفها خلسة أو ارتقى في
مناصبها في غفلة من زمن تريدها أن تكشفه لتخرجه من الصفوف ..
كنت تريد كل داعية أن لا يخاف من أحد الا الله
، وأن لا يهتز قلبه خوفاً أو طمعاً من أخيه في الله مهما كان اخوه صاحب مال أو
منصب أو جاه ..
نعم .. كنت تريد الجماعة الحركية .. أن تكون
في المستوى الرباني اللائق .. لهذا حسدك البعض من اخوانك وقاتلك البعض الآخر ..
وشهر بك اخرون ولكنك صمدت انت ورجالك من امثالك مهاجرون سواء في العالم العربي
والإسلامي أو في بلاد اوروبا وغيرها فكنت حقا جديرا بالمجد .
ألا رحمة الله على معلمي ورفيق دربي الشيخ سعيد
حوى فالى اللقاء في جنة الخلد . في رحاب الله ومستقر رحمته .